أصدر الدكتور بدر الحمري، أستاذ الفلسفة وباحث في تحليل الخطاب الديني، مؤلفاً جديداً بعنوان “منطق التسلط: في بلاغة الكذب والتطرف ودلالة ما بعد الحقيقة”، وهو عمل أكاديمي يسعى لتشريح آليات الخطاب المتسلط وكيفية مواجهته.
يُقسم الكتاب، الذي صدر عن دار دجلة الأكاديمية ودار المرهج عام 2025، إلى أربعة فصول رئيسية، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة وآفاق إشكالية. يتناول الفصل الأول بلاغة الكذب ومفهوم ما بعد الحقيقة، بينما يخصص الفصل الثاني للحديث عن الحقيقة في عالم ما بعد الحقيقة. أما الفصل الثالث فيتعمق في منطق آليات التسلط في الخطاب المتطرف، ويختتم الفصل الرابع بالتركيز على التربية على المحاججة الناقدة ضد مغالطات المتسلط. يشير المؤلف بدر الحمري في بداية الكتاب إلى أن عنوان "منطق التسلط" لم يكن اعتباطياً، بل جاء بعد تأمل عميق في الخطابات التي تتبناها الجماعات المتطرفة منذ عام 1928 على الأقل، مستشهداً بتعبير بول ريكور "بعد طول تأمل". ويتساءل الحمري عن دلالات التسلط ومعناه. يوضح الكتاب أن "التسلط" في دلالته اللغوية يعني القهر والسلطة اللسانية. ويشير إلى مفارقة لسانية حيث أن "السليط" هو فصيح اللسان، بينما "السليطة" هي المرأة الصاخبة التي تفحش بلسانها إذا تسلطت. كما يأتي معنى التسلط بمعنى الخمط، وهو غضب الفحل وهيجانه وتكبره. ويقال "تأمر عليهم" بمعنى تسلط. وبالتالي، تتجلى شبكة دلالات التسلط في القهر، وسلاطة اللسان، والفصاحة المؤدية إلى الصخب، والفحش، والهيجان، والغضب، والتكبر، والتأمر. ويرى بدر الحمري أنه إذا كانت "السلطة" تعني الحق في الأمر، فإن "التسلط" يعني الخروج عن هذا الحق ليصبح تأمراً ينتج قهراً، أو تسيّداً ينتج خراباً. فالسطة لها مرجعية شرعية وقانونية في أفقها الأخلاقي، لكن عندما تنزل إلى حضيض التأمر، تصبح تسلطاً بين طرفين على الأقل: طرف متسلط، سليط، ومتأمر، لا يعترف بغير هويته الهائجة على الجميع، ولا يرى واجباً عليه التفكير في الآخر أو الاعتراف به، بل يعتبر وجوب طاعته له هو القاعدة الوحيدة في دستوره الفاحش. يشير الكتاب إلى أن فشل السلطة غالباً ما يكون سببه الفساد، الوهن، التصدع، انهيار القيم، أو خلل في أمريتها المشروعة. أما التسلط، فهو يعلن منذ البداية عن التصدع والفساد ونهاية الأشياء. وعلى النقيض من ذلك، يعد التسلط بسلاطة خطابه بالجنة والحور العين والخلافة الدَّموية. تفيد معطيات حول الإصدار بأن ما يمكن استخلاصه من الكتاب هو أن التسلط هو لاشرعية في امتلاك السلطة والاستحواذ عليها بالعنف. أما منطقه السليط، فيُستثمر في بناء آليات تضليلية للوضع الذي يرى فيه المتكلم نفسه أعلى من المخاطب/الجمهور، حتى لو كان مساوياً له أو أقل منه. وهنا ينتقل التسلط من مستواه البلاغي المشحون إلى مفهومه الاستراتيجي المتوحش في الخطابات المتطرفة العنيفة. في هذا السياق، يشير الباحث إلى اختلافه مع ما ذهب إليه جيل دولوز في قراءته للمعرفة والسلطة عند ميشال فوكو. ويرى الحمري أن التحريض والتضييق، على سبيل المثال، لا يمثلان قوى السلطة وفعلها بقدر ما يمثلان قوى التسلط. ففي السلطة، تحضر الشرعية والقانون والعدالة والحق، بينما في التسلط، لا تحضر هذه القيم إلا من خلال تزييف المفاهيم، خداع الناس، مغالطاتهم، والتحكم فيهم، ومن ثم تغييب الشرعية.
يمثل كتاب "منطق التسلط" لبدر الحمري إضافة نوعية في مجال تحليل الخطاب، ويقدم أدوات نقدية لفهم آليات التسلط في الخطابات المتطرفة، ويدعو إلى تنمية الوعي النقدي لمواجهة التضليل والمغالطات.