في خطوة تهدف إلى الحد من استنزاف الموارد المائية وحماية الملك العمومي المائي، أصدرت المصالح المركزية بوزارة الداخلية تعليمات صارمة لولاة الجهات وعمال الأقاليم، تحث رجال السلطة على تكثيف جهودهم لمواجهة ظاهرة حفر الآبار العشوائية والانتهاك المستمر للملك العمومي المائي. وتأتي هذه التعليمات في ظل تقارير كشفت عن تورط بعض رجال السلطة في تسهيل هذه الممارسات غير القانونية.
أفادت مصادر عليمة هسبريس بتوجيه المصالح المركزية بوزارة الداخلية تعليمات صارمة إلى ولاة الجهات وعمال الأقاليم من أجل حث رجال السلطة (الباشوات والقواد) على محاصرة أنشطة حفر الآبار العشوائية وانتهاك الملك العمومي المائي وضبط عمليات الحفر غير المرخصة. وأكدت المصادر ذاتها تشديد التعليمات الجديدة على تطبيق مقتضيات المرسوم 2.23.105 الخاص برخص الثاقب ومراقبة احترام المساطر القانونية، مع إبعاد رجال السلطة المتورطين في رعاية الآبار السرية والتستر على نشاط شبكات “الصوندات”، موضحة أن أوامر موازية وردت على شرطة المياه لتشديد المراقبة وجرد الآبار المرخصة، ومطابقة الحفر الموجودة على أرض الواقع مع سجلات التراخيص. وكشفت المصادر نفسها استناد الإدارة المركزية في تحركها إلى تقارير واردة من المفتشية العامة للإدارة الترابية حول تورط رجال سلطة في أنشطة حفر عشوائي واستغلال معدات بدون ترخيص، حيث أظهرت التقارير أيضا منع مواطنين من حفر آبار قانونية مقابل التساهل مع الحفر السري، ما تسبب في مخاطر هددت سلامة المواطنين، مشيرة إلى حالات محددة ضمن نفوذ باشا مدينة حد السوالم بضواحي الدار البيضاء. وحسب مصادر هسبريس، ركزت التعليمات الموجهة إلى العمال، خصوصا الجدد منهم، المعينين ضمن الحركة الانتقالية الأخيرة، على إبعاد باشوات وقواد عن عمليات المراقبة الجديدة، خصوصا الذين وردت أسماؤهم في تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية، بعد تورطهم وفقا لهذه التقارير في تسهيل عمليات حفر آبار وثقوب مائية في عدد من الجماعات الترابية بدون احترام المساطر القانونية، وارتباطهم بعلاقات وطيدة مع شركات الحفر بـ”الصوندات”، المملوك بعضها لمنتخبين. وأثارت المعطيات التي ضمنها مفتشو وزارة الداخلية في تقاريرهم حالة من القلق على مستوى مصالح الإدارة المركزية، بعد اكتشاف تورط بعض رجال السلطة في منع مواطنين من حفر آبار رغم استيفائهم الشروط القانونية، مقابل التغاضي عن عمليات حفر سرية في مناطق البناء العشوائي من قبل أصحاب مستودعات غير قانونية أو ملاك أراض في وضعية الشياع. وكشفت التقارير كذلك تورط مسؤولين ترابيين وأعوان سلطة ومستشارين جماعيين في تأسيس مقاولات صغيرة للحفر وكراء معدات متخصصة، خصوصا “الصوندات”، ما ساهم في انتشار قطاع عشوائي يستنزف الثروة المائية الوطنية، وتنامي وتيرة الاعتداء على الملك العمومي المائي، المنصوص عليه في القانون رقم 15-36 المتعلق بالماء. وسبق لدورية مشتركة صادرة عن وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والماء أن دعت إلى إحداث لجان على مستوى العمالات والأقاليم لجرد جميع الآبار والثقوب المائية، للحد من انتشار الآبار غير المجهزة بوسائل السلامة، مع تكثيف جهود التوعية والتحسيس بمخاطرها على الأرواح والممتلكات. وحملت تقارير التفتيش أيضا، وفق مصادر هسبريس، معطيات حول شبهات تحايل في محاضر معاينة منجزة من قبل رجال سلطة بشأن طبيعة استغلال آبار وتقوب مائية مرخصة، مشددة على وجود تناقض بين تقارير لشرطة المياه والمحاضر المذكورة، وقد تعززت موثوقية هذه التقارير بمستوى الاستهلاك المسجل على أجهزة القياس المثبتة في آبار؛ إذ تبين أنها مخصصة للري والاستغلال في أنشطة صناعية، وليس لغايات الاستعمال الفردي، مؤكدة رصد عدد كبير من المخالفات في هذا الشأن، همت أراضي مستغلة كمستودعات للتخزين.
تهدف هذه الإجراءات المشددة إلى إعادة تنظيم قطاع حفر الآبار، وضمان الاستغلال المستدام للموارد المائية، وحماية المواطنين من المخاطر المرتبطة بالحفر العشوائي، مع محاسبة كل من تثبت تورطه في تسهيل هذه الممارسات غير القانونية.