يمثل اعتراف دول غربية بدولة فلسطين، وخاصة خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تحولاً هاماً في مسار القضية الفلسطينية. يرى خبراء سياسيون وقانونيون أن هذه الخطوة تاريخية نحو ترسيخ حقوق الشعب الفلسطيني، إلا أنها تتطلب ضغوطاً عملية وفعلية على إسرائيل لضمان تنفيذ حل الدولتين.
يشير خبراء إلى أن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين يمثل تطوراً بارزاً، لكنه غير كافٍ بمفرده دون ضغوط فعلية على إسرائيل. ويؤكد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك بأغلبية ساحقة (142 دولة) على حل الدولتين، إلا أن المعضلة تكمن في أن الاعترافات السابقة بالدولة الفلسطينية كانت محصورة في الغالب في الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث. تعكس التحولات في الرأي العام الدولي، خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى ورد الفعل الإسرائيلي العنيف عليها، مواقف جديدة حتى من قبل بعض الدول الأوروبية التي عُرفت تاريخياً بانحيازها لإسرائيل. الاعترافات الأوروبية الجديدة، التي قد تصل إلى عشر دول، لن تكون كافية دون خطوات عملية وضغوط سياسية مباشرة على إسرائيل. رغم أن جذور القضية لم تتناول قرار تقسيم فلسطين صراحةً، إلا أن القرار 242 (الصادر عن مجلس الأمن عام 1967) أكد على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وهي الأراضي التي تُعد الأساس لإقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة. يمثل موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن اعتزام بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية، تحولاً هاماً، وتبعته في ذلك بريطانيا، التي يُنظر إليها بوصفها الفاعل الأصلي للجريمة من خلال وعد بلفور وتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين أثناء فترة الانتداب البريطاني. يحمل الاعتراف البريطاني والفرنسي بالدولة الفلسطينية أهمية كبيرة على المستويين الرمزي والمعنوي، رغم أنه لا تترتب عنه إجراءات عملية أو تبعات مباشرة. يمثل ذلك ورقة ضغط على إسرائيل، خاصة في حالة بريطانيا، التي يجب ألا ننسى أنها صاحبة وعد بلفور الذي منح الشرعية لقيام دولة إسرائيل. يعزز موقف بريطانيا وفرنسا، وهما قوتان محوريتان داخل القارة الأوروبية والتحالف الغربي، الضغوط السياسية والدبلوماسية على إسرائيل، حتى وإن ظل في إطاره الرمزي، مثلما كان الحال في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حظيت فيها الدولة الفلسطينية بتأييد واسع. هذه الخطوة يجب أن تُبنى عليها تحركات أخرى، من خلال مفاوضات وحملة ضغط دولية أشمل لدفع إسرائيل نحو قبول حل الدولتين باعتباره السبيل الواقعي لإنهاء الصراع. يعكس اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين تحولاً نوعياً، ويحمل رسالة قوية للمجتمع الدولي بضرورة التحرك لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتدعو مصر بقية الدول الأوروبية والمجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات مماثلة، مؤكدة دعمها الرئيسي للقضية الفلسطينية في جميع المحافل الدولية. لهذا الاعتراف دلالات قانونية وسياسية تتجاوز الرمزية. فبريطانيا، التي أصدرت وعد بلفور، تتحمل مسؤولية تاريخية، ويمثل موقفها الأخير تصحيحاً متأخراً لظلم تاريخي بحق الفلسطينيين. وفرنسا، التي تعتبر أول عضو غربي دائم في مجلس الأمن يتخذ هذه الخطوة، قد تفتح الباب أمام ضغوط متزايدة على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية. هذا التطور يقلل من قدرة الولايات المتحدة على حماية إسرائيل داخل مجلس الأمن، ويعزز فرص فلسطين نحو العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. أعلنت بريطانيا وكندا وأستراليا اعترافها رسميا بدولة فلسطين. وتعهّدت دول عدّة، بينها فرنسا والبرتغال ومالطا وبلجيكا، بالاعتراف بدولة فلسطين خلال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الحالي. وقوبل إعلان عدد من الدول الغربية اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين برفض واستنكار من جانب إسرائيل والولايات المتحدة. حل الدولتين هو مقترح سياسي يهدف إلى حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إقامة دولتين مستقلتين: دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 إلى جانب دولة إسرائيل. تواجه هذه الرؤية عقبات تشمل رفض حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الاعتراف بإسرائيل، والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، والانقسامات الفلسطينية، والعنف المستمر المتبادل، بالإضافة إلى الجمود السياسي بين الأطراف. تحظى دولة فلسطين باعتراف 147 دولة من أصل 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، بينما لم تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، واستخدمت عام 2024 حق النقض (الفيتو) ضد عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة. وتؤكد روسيا أن تحقيق سلام حقيقي في الشرق الأوسط مستحيل بدون حل عادل للقضية الفلسطينية قائم على تنفيذ حل الدولتين، وضمان الحقوق والتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني.
يمثل اعتراف دول غربية بدولة فلسطين خطوة تاريخية هامة، لكن تحقيق حل الدولتين يتطلب ضغوطاً دولية وإجراءات عملية على إسرائيل، بالإضافة إلى تضافر الجهود الفلسطينية لحل الانقسامات الداخلية.