المغرب يرسخ دور المرصد الوطني للإجرام تشريعياً: خطوة نحو سياسة جنائية مبنية على الأدلة

صورة المقال 1

شكل صدور قانون المسطرة الجنائية الجديد بالجريدة الرسمية بتاريخ 8 شتنبر الجاري، خطوة محورية في مسار تعزيز دور المرصد الوطني للإجرام وتحديد صلاحياته على المستوى التشريعي، مما يفتح آفاقاً جديدة لمقاربة علمية في مجال العدالة الجنائية.


أشارت مديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة إلى أن المادة 51-3 من قانون المسطرة الجنائية الجديد تنص بوضوح على أن المرصد الوطني للإجرام، المُحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، سيتولى، في إطار المساهمة في رسم توجهات السياسة الجنائية، مهمة جمع ومعالجة الإحصاءات الجنائية، بالإضافة إلى دراسة وتحليل الظواهر الإجرامية واقتراح الحلول الكفيلة للتصدي للجريمة والوقاية منها. ولتحقيق هذه الغاية، يُخول للمرصد طلب المعطيات الإحصائية والمعلومات والوثائق الضرورية من السلطات القضائية والأمنية والإدارية، مع التأكيد على عدم المساس بسـرية البحـث والتحقيـق. كما ورد في المادة ذاتها أن المرصد سيقدم المساعدة للجهات المعنية في وضع قواعد بيانات وبرمجيات ملائمة للمعطيات الإحصائية المطلوبة. وأفاد بيان المديرية بأن هذا التكريس التشريعي يمثل تطوراً أساسياً في تعزيز صلاحيات ومهام المرصد الذي أُحدث بموجب المرسوم رقم 2-22-400 بتاريخ 18 أكتوبر 2022. ويندرج هذا التطور ضمن الفلسفة الجديدة للسياسة الجنائية المغربية، التي تقوم على مقاربة علمية مدعومة بالأدلة، وتمتثل لأفضل الممارسات الدولية وتوصيات الأمم المتحدة في مجال العدالة والسياسة الجنائية. ويترجم هذا التطور المؤسساتي التزام المملكة بتحديث منظومة العدالة الجنائية، بما يتماشى مع التوجيهات الملكية السامية ومخرجات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة. وبموجب هذا التكريس التشريعي، أصبح المرصد فاعلاً استراتيجياً يخدم سياسة جنائية تعتمد على الأدلة العلمية. وتمنح هذه الخطوة التشريعية للمرصد مهمة موسعة تتجاوز مجرد جمع البيانات لتشمل المساهمة المباشرة في توجيه السياسة الجنائية. كما يمتد نطاق عمله ليصبح وطنياً، حيث يمتلك صلاحية طلب البيانات والمعلومات من جميع المؤسسات القضائية والأمنية والإدارية. ويُعزز ذلك دوره الاستشاري المؤصل قانونياً، والذي يتجلى في المساهمة بدعم صنع القرار وإعداد اقتراحات استراتيجيات مكافحة الجريمة والوقاية منها. وشددت مديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة على أن المرصد الوطني للإجرام سيواصل جهوده في بناء سياسة جنائية حديثة ومستبصرة، من خلال العمل المستمر على تطوير أدوات تحليل البيانات المتعلقة بالجريمة، وتعزيز أدوات التحليل والتنبؤ، وتوسيع شراكاته المؤسسية للاضطلاع الأمثل بمهامه في رسم توجهات السياسة الجنائية ومكافحة الجريمة والوقاية منها. يُذكر أن الدراسات المقارنة تشير إلى أن 8% فقط من المراصد الوطنية للإجرام حول العالم تحظى بتكريس تشريعي مباشر ضمن قوانين المسطرة الجنائية الخاصة بها، مما يضع المغرب في مصاف الدول الرائدة التي تتبنى أفضل الممارسات في مجال الحوكمة الجنائية المبنية على الأدلة العلمية.

إن التكريس التشريعي للمرصد الوطني للإجرام في المغرب يمثل قفزة نوعية نحو سياسة جنائية استباقية، مستنيرة بالعلم والأدلة، ومتوافقة مع المعايير الدولية، مما يعزز فعالية منظومة العدالة ويساهم في تحقيق الأمن المجتمعي.