يقدم كتاب “الفيلسوف ابن ساعته” للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن رؤية جديدة لدور الفلسفة في العصر الحالي، مؤكداً أنها ليست مجرد تفكير نظري مجرد، بل هي ضرورة لمواجهة تحديات العصر الراهنة.
يؤكد الكتاب أن الفلسفة لا تولد في الفراغ، ولا تزدهر بمعزل عن واقع الأمة وتحدياتها، بل هي مرابطة دائمة في ما يسميه طه “ثغور العصر”. ويضع المفكر المغربي في هذا العمل خلاصة مسيرته الفكرية والفلسفية، شاهداً على أن الفيلسوف لا يكون فيلسوفاً بحق إلا إذا واجه “أحداث الساعة” مواجهة فكرية وأخلاقية، مقتحماً أسئلتها المصيرية، ومؤسساً من تفاصيلها الجزئية معاني كلية، وأفقاً نظرياً جديداً. ويستشهد طه بالقول بأن “الإعلامي ابن لحظته، والمؤرخ ابن حقبته، والسياسي ابن ظرفه، والصوفي ابن وقته، الفيلسوف بالضرورة ابن ساعته”. وساعة الفيلسوف هي التي تحدد “ثغوره” الفكرية التي يرابط فيها دفاعاً عن القيم وحماية للإنسان. وقد تطرق الكتاب لمواجهة الفيلسوف لعدة ثغور، منها ثغر العقل بعد هزيمة 1967، وثغر التراث في زمن الطعن فيه باسم المناهج الغربية، وثغر الحداثة في زمن التهويل بإنجازاتها، وثغر الأخلاق في عالم الفصل بين الدين والفكر والفن والسياسة، وصولاً إلى ثغر الشر المطلق حيث تُختبر الإنسانية جمعاء وتتعرض فطرتها للمحو (الإبادة الإسرائيلية لغزة الفلسطينية). وفي كل هذه الميادين “يرابط الفيلسوف حاملاً همّ العقل، والإرادة، والقيمة”. ويبيّن طه أن هذه “الثغرية ليست مجرد استعارة، بل هي معيار يحدد صدق الفيلسوف: فمن لا ثغر له لا فكر له”. ولذا، يدعو إلى “بلورة ‘فلسفة الثغر’، التي تجعل من المرابطة في وجه الخطر شرطاً لصدق الفكر وإمكان الفلسفة”. ويحذر الكتاب الجديد من “أخطر ما يواجهه الإنسان اليوم: الشر المطلق، الذي يسعى إلى تعطيل المواثقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان وأخيه، وإلى تخريب الفطرة باعتبارها مستودع القيم”. ومن ثم، تصبح مسؤولية الفيلسوف، في هذه الساعة، مسؤولية عن الإنسانية جمعاء وعن القيم جمعاء.
يخلص كتاب “الفيلسوف ابن ساعته” إلى أن الفلسفة الحقيقية هي تلك التي تتجذر في الواقع، وتواجه تحديات العصر، وتدافع عن القيم الإنسانية، وأن الفيلسوف شاهد عصره وابن ساعته، ومسؤوليته تمتد لتشمل الإنسانية جمعاء.