في خضم التوترات المتصاعدة بالمنطقة وما أثاره الهجوم الإسرائيلي على قطر من جدل واسع، يعود النقاش مجددا حول مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومعايير استقراره. فالهجوم لم يقتصر أثره على العلاقات الثنائية فحسب، بل فتح الباب أمام تساؤلات عميقة بشأن موقع “الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو” ودورهم في المنظومة الأمنية الدولية. في هذا السياق يأتي تحليل مايكل وولش، الباحث الأول غير المقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، ليكشف عن أبعاد خطيرة قد تهدد تماسك الحلف.
قال والش ضمن مقال رأي نشرته صحيفة “إندبندينتي” الإسبانية: “لطالما حذّرتُ من أن هجوما من حليف رئيسي غير عضو في الناتو على حليف آخر فيه سيُشكّل تهديدا وجوديا لحلف الناتو كما نعرفه اليوم”. وأوضح: “على وجه التحديد، أشعر بالقلق إزاء هجوم من حليف رئيسي من خارج الناتو على حليف رئيسي آخر من خارج الناتو (مثل إسرائيل ضد قطر، وقطر ضد إسرائيل)”. وشرح والش: “قد لا تكون قطر حليفا في الناتو، وقد لا تكون قوات الدفاع الإسرائيلية قد شنت هجوما مباشرا على القوات المسلحة القطرية. ومع ذلك، لا تزال قطر حليفا رئيسيا من خارج الناتو، ويبدو أن قوات الدفاع الإسرائيلية، سواء كان ذلك مبررا أم لا، قد انتهكت سيادتها”. ونبه والش إلى أنه في أعقاب هجوم الدوحة، ينبغي على الخبراء محاولة فهم الحادث من منظور أوسع، قائلا: “بدون منظور أوسع، سيُغفَل تأثير هجوم الدوحة على المعايير التي تُرسّخ استقرار حلف الناتو وتُعزّزه. ويشمل ذلك حظر مختلف أنواع الهجمات المسلحة ضد الدول الأعضاء الأخرى والشركاء الاستراتيجيين”. وأضاف: “داخل حلف الناتو، لا أحد يرغب في أن يفتح هجوم الدوحة الباب أمام إضعاف المعايير الأساسية التي تُحدد استقراره”. مردفاً: “من المتوقع ألا يفتح هجوم الدوحة الباب أمام إضعاف المعايير الأساسية التي تُحدد استقراره. ويشمل ذلك حظر المواجهة المباشرة بين القوات المسلحة وأجهزة الأمن التابعة للدول الأعضاء في الناتو وشركائها الاستراتيجيين. سيُشكل زوال هذه القاعدة مشكلة خطيرة للدول الأعضاء في الناتو”. ونبه الخبير ذاته إلى وجود “خطر كبير من مواجهة مباشرة بين اثنين أو أكثر من حلفاء الناتو و/أو حلفاء رئيسيين من خارج الناتو”، وأعطى أمثلة على ذلك قائلا: “قد يتطور هذا السيناريو في سوريا. لم يُعالج أحد الأسباب الجذرية للغارات الجوية الإسرائيلية على القواعد السورية. لذلك، لا يزال هناك خطر كبير من مواجهة مباشرة بين إسرائيل وتركيا في سوريا. قد يتطور الأمر في غرينلاند. قد تُفاجئ هذه الكلمات بعض المؤرخين. بدت العلاقات بين الدنمارك والولايات المتحدة قوية ومتينة إلى حد معقول على مدى العقدين الماضيين. إلا أن ذلك تغير بعد انتخاب دونالد ترامب للمرة الثانية”. وخلص والش إلى أنه “قد يتطور الأمر إلى ما يُعرف بالمجهول”، قائلا: “هناك أمورٌ تجري في الخفاء، على نحوٍ متزايد، وقد تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين حلفاء الناتو و/أو حلفاء رئيسيين من خارج الناتو. تكمن المشكلة في صعوبة فهم هذه الأمور”.
في الختام، أكد الخبير في التحديات الأمنية أن هجوم الدوحة “يشير إلى حاجة واضحة وراهنة لإعادة صياغة مفهوم الحليف الرئيسي من خارج الناتو”، وقال: “ما لم تكن إسرائيل وقطر تنسقان سرا وراء الكواليس، فإن هجوم الدوحة يشير إلى حاجة واضحة وراهنة لإعادة صياغة مفهوم الحليف الرئيسي من خارج الناتو”. وأضاف: “في سياق مراجعة مفهوم الحليف الرئيسي من خارج الناتو، سيتعين على صانعي سياسات الناتو إعادة النظر في المعايير الإلزامية للعضوية في الحلف. سيجبر هذا الدول الأعضاء على طرح بعض الأسئلة المحرجة”. وطرح والش أمثلة على ما سرده من قبيل أنه “سيتعين على صانعي سياسات الناتو النظر فيما إذا كان للحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو الحق في توفير ملاذ آمن لممثلي منظمة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، أو تركيا، أو إسرائيل”، أو “أيضا النظر فيما إذا كان من حق الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو شن هجوم عسكري ضد أشخاص و/أو كيانات تقع على أراضي دولة ذات سيادة تابعة لحليف آخر في الناتو أو حليف رئيسي من خارج الناتو دون طلب من حكومة تلك الدولة المستقلة”.