في سياق الجهود المبذولة لإصلاح المنظومة القانونية للانتخابات في المغرب، قدمت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان مذكرة مفصلة إلى وزارة الداخلية تتضمن مقترحات هامة تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية. وتركز هذه المقترحات بشكل أساسي على إنشاء هيئة مستقلة تتولى مهمة التقطيع الانتخابي، ووضع سقف واضح للنفقات الانتخابية لكل مرشح وحزب، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.
اقترحت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان على وزارة الداخلية، في إطار ورش إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات، إنشاء هيئة مستقلة تتولى التقطيع الانتخابي "بموضوعية وشفافية"، ودون "أي تأثير سياسي". كما دعت إلى تحديد "سقف" واضح للنفقات الانتخابية لكل مرشح وحزب، على غرار ما تعمل به دول عدة، لضمان شفافية العملية الانتخابية، تحت طائلة العقوبات الصارمة للمتجاوزين. جاء ذلك في مذكرة حول "إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات" وضعتها العصبة لدى وزارة الداخلية، بمبادرة ذاتية، وانطلاقًا من قناعتها بـ"أهمية الانفتاح على المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات الحقوقية"، في المشاورات المتعلقة بإصلاح هذه المنظومة، "لضمان انتخابات شفافة، نزيهة، وتشاركية". **هيئة مستقلة للتقطيع الانتخابي:** دعت المذكرة إلى "إنشاء هيئة مستقلة ذات صلاحيات واسعة، تتولى مهمة التقطيع الانتخابي بناءً على معايير موضوعية وشفافة، وبعيدًا عن أي تأثير سياسي". وأوضحت أنه "يجب أن تتكون هذه الهيئة من شخصيات ذات كفاءة ونزاهة، وأن تضمن تمثيلًا متنوعًا للخبرات (قانونية، قضائية، ديموغرافية، جغرافية)". واستحضرت العصبة في مقترحاتها الوضع الراهن والمبادئ الحقوقية الدولية فضلًا عن التجارب المقارنة، مشيرة إلى أن "القوانين المنظمة لمجلس النواب، مثل القانون التنظيمي رقم 04.21، تتضمن أحكامًا تتعلق بتوزيع المقاعد وتأليف المجلس، ومع ذلك تفتقر هذه الأحكام إلى آليات واضحة تضمن الشفافية والعدالة في عملية التقطيع، مما يفتح الباب أمام شبهات التلاعب أو عدم مراعاة التغيرات الديموغرافية والاجتماعية". ونبهت الهيئة الحقوقية إلى أنه في دول عدة مثل كندا وأستراليا، "تُعْهَد مهمة التقطيع الانتخابي إلى لجان مستقلة تتكون من خبراء غير حزبيين (قضاة، ديموغرافيين، جغرافيين)". وأضافت العصبة أن "غياب معايير موضوعية وشفافة يمكن أن يؤدي إلى دوائر انتخابية غير متجانسة من حيث عدد السكان، مما يمنح أصوات الناخبين في دوائر معينة وزنًا أكبر من غيرها، وهو ما يتنافى مع المبدأ العالمي: صوت واحد، قيمة واحدة". لذلك، ترى العصبة أنه "يجب أن ينص القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب على معايير دقيقة وموضوعية لعملية التقطيع، تضمن المساواة في التمثيل، والتجانس الديموغرافي والجغرافي للدوائر، مع تحديد نسبة الانحراف المسموح بها عن متوسط عدد السكان". **تحديد سقف للنفقات الانتخابية:** على صعيد آخر، أوضحت العصبة أن العديد من الدول تعتمد "آليات صارمة" لضمان شفافية تمويل الحملات الانتخابية وتمويل حملات الأحزاب، على رأسها "تحديد سقف واضح ومناسب للنفقات الانتخابية لكل مرشح وحزب، مع فرض عقوبات صارمة على المتجاوزين"، و"إلزام الأحزاب والمرشحين بالإفصاح عن جميع مصادر تمويلهم، بما في ذلك التبرعات الفردية والشركات، مع تحديد سقف للتبرعات الفردية". وعلى هذا الأساس، اقترحت العصبة "تعديل القوانين المنظمة لتمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية لفرض رقابة أكثر صرامة على مصادر التمويل ونفقاته، مع تحديد سقف واضح للنفقات الانتخابية لكل مرشح وحزب". كما دعت إلى "إلزام الأحزاب والمرشحين بالإفصاح العلني والكامل عن جميع مصادر تمويلهم، بما في ذلك التبرعات، مع تحديد سقف للتبرعات الفردية، وحظر التبرعات مجهولة المصدر أو من جهات أجنبية". **تمثيلية النساء والشباب وذوي الإعاقة:** اقترحت العصبة "تعديل القانون التنظيمي لمجلس النواب لزيادة النسبة المخصصة للنساء، خاصة أن الالتزام الدستوري يربطنا بسقف المناصفة، مع ضمان تفعيلها بشكل يضمن وصول النساء إلى البرلمان وليس فقط ترشيحهن، عبر دعم مادي ومعنوي وقانوني". ودعت إلى "فرض ترشيح خمسين في المائة من مجموع مرشحي كل حزب على امتداد دوائر ربوع الوطن من النساء، إقرارًا لمبدأ المناصفة والمساواة". كما نادت بـ"ترسيخ تمثيلية محددة للشباب (أقل من 35 سنة) في الدوائر الانتخابية المباشرة، مع تحديد آليات لضمان فعاليتها، وتشجيع الأحزاب على إدماج الشباب في مواقع متقدمة في اللوائح". أما بخصوص تمثيلية ذوي الإعاقة، فقد دعا التنظيم الحقوقي إلى "فرض حصة تمثيلية واضحة على اللوائح/البرلمان (آلية قانونية): إما مقاعد مخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة، أو قاعدة وضعية تلزم الأحزاب بوضع مرشحين من ذوي الإعاقة ضمن مواضع انتخابية مضمونة الوصول إلى المقاعد، لتسريع التمثيل الوصفي وضمان صوت تشريعي مباشر". **توسيع المشاورات:** طالبت العصبة في مذكرتها بتوسيع المشاورات مع الجمعيات الحقوقية والنسائية والشبابية، ومع المنظمات المهنية والنقابية، ومع الخبراء والأكاديميين، ومع وسائل الإعلام، بما أن "التوجيه الملكي بفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين يجب أن يُفهم في سياق واسع وشامل".
تؤكد مذكرة العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان على أهمية إشراك المجتمع المدني، وخاصة الهيئات الحقوقية، في عملية إصلاح المنظومة القانونية للانتخابات. وتبرز المقترحات المقدمة، مثل إنشاء هيئة مستقلة للتقطيع الانتخابي وتحديد سقف للنفقات، وضرورة تعزيز تمثيلية النساء والشباب وذوي الإعاقة، التزامًا واضحًا بتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة والمساواة في العملية الانتخابية، بما يتماشى مع المعايير الدولية والمبادئ الدستورية.