أزمة السكن الجامعي في بني ملال: كابوس يومي يهدد مستقبل الطلاب

صورة المقال 1

مع انطلاق كل موسم جامعي، تتجدد معاناة مئات الطلبة القادمين من أقاليم جهة بني ملال خنيفرة، خاصة أزيلال، إلى مدينة بني ملال لمتابعة دراستهم في كليات جامعة السلطان مولاي سليمان ومؤسسات التكوين المهني. وفي ظل أزمة السكن الجامعي وارتفاع أسعار الكراء، فإن تجربة التعليم العالي تتحوّل إلى كابوس يومي؛ وهو ما يضغط بشدة على الأسر، ويهدد استمرارية الدراسة.


وفي ظل وجود الأحياء الجامعية والداخليات، فإن أغلب الطلبة يُحرَمون من الاستفادة بسبب “المؤشر الاجتماعي” (مقياس لتحديد الأولوية في الاستفادة من السكن الجامعي) المرتفع، الذي يمنع آلاف الطلاب من الحصول على سكن لائق. في المقابل، يواجهون سوق كراء محتكرا وغير منظّم، يفرض عليهم دفع مبالغ تفوق طاقتهم الشرائية، دون أية حماية من الدولة أو دعم فعّال. تصل أسعار الشقق الصغيرة في قلب بني ملال والأحياء القريبة إلى ألفيْ درهم شهريا، دون احتساب فواتير الماء والكهرباء؛ وهو مبلغ يفوق قدرة الأسر القروية. أما المنحة الجامعية، التي لا تتجاوز 1900 درهم في الدورة، فهي بالكاد تكفي أسبوعين من المصاريف؛ بينما تبقى بقية النفقات على كاهل الأسر. هبة، طالبة في كلية العلوم والتقنيات، قالت: “استأجرنا أنا وثلاث زميلات شقة بألفي درهم في الطابق الرابع، بعيدا عن الكلية؛ ما يفرض علينا دفع 100 درهم شهريا للنقل. هل يدفع أصحاب هذه الشقق الضرائب؟ مستبعد جدا”. محمد وادّو، طالب في كلية الاقتصاد، تساءل: “كيف يمكن لأسرة فقيرة أن تغطي 2000 درهم للكراء، إضافة إلى النقل والكتب والمأكل؟”. الوضع في إقليم الفقيه بنصالح مماثل، حيث يُحرَم غالبية الطلبة من الإيواء بحجة توفر الحافلات. الطالبة انتصار من جماعة سوق السبت قالت: “هل من المعقول أن يقطع الطالب 80 كيلومترا يوميا (ذهابا وإيابا) على متن حافلات مزدحمة وغير آمنة؟ الأمر يهدد سلامتنا وصحتنا، خاصة في فصل الشتاء”. نماذج أخرى حية لهذه المأساة تتجلى بين طلبة بني موسى وبني عمير، حيث يضطرون إلى العيش في شقق ضيقة مكتظة أو عند أقاربهم، وسط ضغط نفسي وجسدي كبير. في المقابل، يظل المسؤولون يشددون على “المؤشر الاجتماعي” كحل وحيد لتكافؤ الفرص؛ بينما الطلبة يواجهون واقعا قاسيا بلا أي حلول ملموسة. ووفقا للموقع الرسمي لجامعة السلطان مولاي سليمان، تستوعب الأحياء الجامعية في مدينة بني ملال عددا محدودا من الطلبة، حيث تبلغ طاقتها الإجمالية حوالي 5 آلاف و300 سرير. لا تواكب هذه القدرة الاستيعابية الطلب المتزايد؛ ما يجعل الحاجة ملحّة لبناء أحياء جديدة أو توسيع القائم منها، خصوصا للطلبة القادمين من المناطق النائية والجبلية الذين يواجهون صعوبة بالغة في التنقل اليومي. توفيق الزبدة، فاعل سياسي عن الحزب الاشتراكي الموحد ببني ملال، سجل أن أزمة السكن الجامعي تعكس خللا بنيويا في السياسات التعليمية والاجتماعية، وتزيد من الهدر الجامعي للفئات الهشة. وأضاف الزبدة، في تصريح هسبريس، أن غياب رؤية شمولية يعمّق الفوارق الاجتماعية ويجعل التمييز بين الطلبة القرويين والحضريين واقعا يوميا، داعيا إلى ربط المنحة بمستوى المعيشة وتعزيز العدالة المجالية في توزيع الأحياء الجامعية. من جهتها، أثارت مريم أحساة، النائبة البرلمانية عن إقليم بني ملال، خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب يوم الاثنين 7 يناير الماضي، قضية حرمان عدد من الطلبة بجهة بني ملال خنيفرة من الأحياء الجامعية، خصوصا أولئك الذين يبلغ دخل آبائهم 2000 درهم ويقطنون على بعد 150 كيلومترا من الجامعة. وأكدت النائبة البرلمانية ذاتها أن هذا الحرمان يُعد من الأسباب الرئيسة للهدر الجامعي، لا سيما في صفوف الفتيات، وانتقدت ضعف التجهيزات في الأحياء التي تفتقر إلى المطاعم والمطابخ والمكيفات الهوائية، مطالبة الحكومة بتحسين جودة الخدمات.

وطالب الطلبة والمتدربون بتدخل عاجل للدولة عبر توسيع الأحياء الجامعية ورفع طاقتها الاستيعابية، وإنشاء داخليات جديدة لطلبة مؤسسات التكوين، ومراجعة قيمة المنحة لتواكب تكاليف المعيشة، ومراقبة سوق الكراء وفرض ضرائب عادلة، ومنح الأولوية لأبناء المناطق النائية في الإيواء الجامعي. وفي ظل هذه الأوضاع، يوجه الطلبة نداء صريحا إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبر قطاع التعليم العالي، من أجل التعجيل بزيادة طاقة الاستيعاب ومراجعة نظام المنح، وإلى وزارة الداخلية لضمان حماية الطلبة من مضاربات سوق الكراء واحترام العدالة الجبائية، بما يضع حدا لهيمنة المضاربين على حساب الفئات الأكثر هشاشة.