صدر حديثًا عن دار السلام للنشر والتوزيع كتاب جديد للباحث المغربي في الاقتصاد السياسي محمد حركات، بعنوان: “من أجل اقتصاد سياسي لكرامة الأمم”. يُقدم الكتاب نموذجًا بديلًا للنظام الاقتصادي العالمي الحالي، الذي يصفه المؤلف بأنه مأزوم ومفقر ومولد للعنف.
يمتد الكتاب على أكثر من 300 صفحة، ويُناقش المنطق الذي يسير به الاقتصاد العالمي المعاصر، مُتهِمًا إياه بتكريس اختلالات بنيوية أدت إلى الفقر، واتساع الفوارق الاجتماعية، واستنزاف البيئة، وتغوّل الشركات متعددة الجنسيات على حساب الشعوب والدول الوطنية. يُشير المؤلف إلى أن الرأسمالية المتوحشة قد حولت الاقتصاد إلى أداة للهيمنة والاستغلال، وأن الأزمات المتعاقبة (البيئية، المالية، الصحية، الجيو-سياسية) تُكشف فشل المنظومة النيوليبرالية في تحقيق الرفاه المشترك. يدعو حركات إلى اعتماد نموذج إنتاجي بديل أسماه “اقتصاد الكرامة”، يقوم على قيم التضامن والعدالة الاجتماعية، ويرتكز على مركزية الإنسان لا الأرباح، وعلى احترام البيئة وتقديس العمل، وإعادة تعريف الثروة من منظور أخلاقي وتنموي. ويرى أن التحول نحو هذا النموذج يقتضي إعادة بناء الدولة الاجتماعية، ودمقرطة القرار الاقتصادي الدولي، وتمكين الدول النامية من آليات إنتاج مستقلة، تحفظ سيادتها وتحميها من التبعية المالية والتكنولوجية للأسواق الكبرى. يُخصص الكتاب فصولًا لرصد مظاهر اللامساواة في العالم المعاصر، ويُناقش بتفصيل تحديات السيادة الرقمية، والتحول البيئي، والذكاء الاصطناعي، مُعربًا عن مخاوفه من تحول هذه الأدوات إلى أدوات تحكم وهيمنة في غياب توازنات عادلة في الحوكمة الدولية. في قراءة نقدية لاتفاقيات التجارة الحرة والمؤسسات المالية الدولية، يرى حركات أن هذه الأخيرة غالبًا ما تُعيد إنتاج التبعية، داعيًا إلى نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر عدالة، تُسمع فيه أصوات الجنوب العالمي، وتُراعى فيه أولويات التنمية والعدالة المناخية. الكتاب ليس مجرد تشخيص نظري، بل يحتوي على مجموعة من المقترحات العملية، من بينها: تحقيق الأمن الغذائي والطاقي والمائي في البلدان النامية، بناء أنظمة ضريبية عادلة، تعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتحديث التعليم وربطه بسوق العمل المحلي. يعتمد المؤلف في تحليله منهجًا تركيبيًا يجمع بين الاقتصاد والسياسة والأخلاق، مستندًا إلى دراسات ميدانية ومرجعيات دولية، منها تقارير البنك الدولي وصندوق النقد، إلى جانب استحضار التراث الإسلامي والإنساني في بناء مقاربة شمولية لاقتصاد الكرامة.
يُواصل محمد حركات، الأستاذ الجامعي الخبير في الشؤون الاقتصادية، من خلال هذا الكتاب، مشروعه الفكري الرامي إلى إعادة إضفاء البُعد الإنساني على الاقتصاد، عبر التفكير في نماذج تنموية بديلة تعلي من كرامة الإنسان، وتحفز على التضامن العالمي، وترفع التحدي الحضاري لبناء عالم أكثر عدلًا واستقرارًا.