في إطار الندوة الدولية حول “المخطوط الإفريقي.. الواقع والآفاق”، المنعقدة بمدينة بوجدور، أكد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، أن المخطوط الإفريقي ليس مجرد أثر تراثي، بل وثيقة حية تختزن تاريخ وسيادة ثقافية ربطت المغرب بعمقه الإفريقي.
استهل بوصوف مداخلته بالتأكيد على أن قراءة الصحراء بمعزل عن بعدها التاريخي والثقافي هي قراءة مبتورة. فالصحراء كانت فضاءً مندمجاً في المجال السياسي والثقافي والعلمي، ولعبت دور القلب النابض في حركة القوافل التي لم تنقل البضائع فحسب، بل حملت معها الكتب والمخطوطات والمتون الفقهية، مساهمة في توحيد المرجعية العلمية بين المغرب وغرب إفريقيا. وأوضح أن المخطوط المغربي، منذ العصر الوسيط، كان أداة مركزية في بناء هذا التواصل، عبر نسخه في حواضر كفاس ومراكش وتداوله في مراكز علمية إفريقية كولاتة وتومبوكتو وجيني. وتوقف عند شهادتي ابن بطوطة والحسن الوزّان كمصادر توثق لوحدة المجال المغربي–الإفريقي قبل تشكّل الحدود الحديثة. فسجّل ابن بطوطة حضوراً قوياً للفقه المالكي وانتظام القضاء والتعليم في بلاد السودان، متشبهاً بالعادات الدينية والعلمية، وهو ما يعكس تداول المخطوطات المغربية عبر الصحراء. أما الحسن الوزّان، فقد قدم وصفاً لازدهار تومبوكتو العلمي، مبرزاً وفرة الكتب وقيمتها الاقتصادية، وكون تجارة المخطوطات من أنشط التجارات، رابطاً ذلك بتجار المغرب وعلمائه، مما يؤكد أن المغرب كان مركز إنتاج معرفي موجِّه إلى الفضاء الإفريقي. وشدد بوصوف على أن المخطوط يشكّل حجة تاريخية على مغربية الصحراء، بمنطق السيادة الثقافية والعلمية، من خلال توحد المرجعية الفقهية المالكية، ووحدة المتون والشروح، وانتقال العلماء والإجازات العلمية، مما يدل على أن الصحراء لم تكن يوماً مجال فصل أو هامش، بل فضاء فاعلاً داخل النسق المغربي. وأكد أن وجود آلاف المخطوطات ذات الأصل المغربي اليوم في تومبوكتو أو في الخزائن الأوروبية لا ينفي مغربيتها، بل يعكس مساراً تاريخياً انتهى بعمليات النهب والاقتلاع خلال المرحلة الاستعمارية. واعتبر أن احتضان بوجدور لهذه الندوة يحمل دلالة رمزية عميقة، لكونها تقع في قلب الصحراء المغربية التي شكلت تاريخياً نقطة وصل بين شمال المغرب وعمقه الإفريقي. وأكد أن إعادة الاعتبار للمخطوط الإفريقي هو في جوهره إعادة كتابة تاريخ مشترك، وتحصين للذاكرة من القراءات التجزيئية. ودعا إلى إدماج ملف المخطوطات في الدبلوماسية الثقافية المغربية، وبناء شراكات إفريقية في مجال الجرد والحفظ والترميم، والتعامل مع المخطوط كرأسمال رمزي واستراتيجي يخدم قضايا الذاكرة والسيادة.
ختم بوصوف مداخلته بالتأكيد على أن المخطوط الإفريقي ليس مجرد ماضٍ محفوظ، بل أفق مفتوح لفهم الحاضر وبناء مستقبل مشترك بين المغرب وإفريقيا، قوامه المعرفة والتاريخ المتقاسم ووحدة المجال الحضاري الذي كانت الصحراء ولا تزال قلبه النابض.