إنجازان معجميان تاريخيان للغة العربية في الشارقة والدوحة

صورة المقال 1

شهدت الساحة الثقافية العربية مؤخرًا إنجازين علميين كبيرين تمثل في استكمال مشروعين ضخمين لإعداد معجم تاريخي للغة العربية. الأول أُعلن عن اكتماله في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2024، والثاني أُعلن عن اكتماله في العاصمة القطرية الدوحة في شهر ديسمبر الجاري. هذه المشاريع، التي كانت تعتبر في السابق عصية على التحقيق، تمثل إضافة نوعية للمكتبة العربية، حيث لا تقتصر على معاني الألفاظ فحسب، بل تتتبع تاريخها ودلالاتها واستعمالاتها عبر العصور.


مشروع إعداد معجم تاريخي للغة العربية هو مشروع علمي ضخم يهدف إلى تتبع تاريخ الكلمات العربية، ومعانيها، ودلالاتها، والعبارات التي استُخدمت في عصور مختلفة، بالإضافة إلى الانزياحات الدلالية التي تطرأ على المفردات. وعلى الرغم من أهميته، فقد ظل غائبًا في العقود الماضية. وقد شارك في إعداد هذين المعجمين، كل على حدة، فرق عمل تضم مئات الأكاديميين والعلماء والباحثين من مختلف التخصصات والمناطق الناطقة بالعربية حول العالم. **معجم الدوحة التاريخي للغة العربية:** صرح عز الدين البوشيقي، المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، بأن إعداد معجم تاريخي للعربية هو "من الصالحات" التي تحفظ ألفاظ اللغة ومعانيها وشواهد استعمالاتها وتواريخ تداولها، مما يعزز الهوية اللغوية للعرب ويبني ذاكرتهم المعجمية المشتركة. يضم المعجم "مدونة نصية مهيكلة، ومؤرخة، وموثقة، في نحو مليار كلمة"، والتي ستشكل "مددًا فريدًا من نوعه لتطوير نموذج عربي للذكاء الاصطناعي". كما يفتح المعجم آفاقًا جديدة للباحثين والطلاب للاستفادة من كلماته بمعانيها في سياقاتها الثقافية والتاريخية، والمصطلحات المعرفية، والشواهد النصية. يصف البوشيقي المعجم بأنه "إنجاز علمي عربي" يعيد للأمة الثقة في قدراتها ويحيي الأمل في تحقيق طموحاتها الحضارية. تعرّف مقدمة المعجم المشروع بأنه "المعجم الذي يرصد ألفاظ اللغة ومعانيها التطورية في مراحل استعمالها المختلفة"، ويسجل تاريخ ظهور كل لفظ وتحولاته الدلالية والصرفية، موثقًا ذلك بنصوص شاهدة. **معجم الشارقة التاريخي للغة العربية:** أوضح امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة والمدير التنفيذي للمعجم، أن "ضخامة المشروع وفقد التكنولوجيا" كانا من أسباب تأخر إنشاء المعجم التاريخي قبل العصر الحديث. ويتميز "معجم الشارقة التاريخي للغة العربية"، الصادر في 127 مجلدًا، بمنهجه الاستقصائي الذي يتتبع الألفاظ من "جذر الكلمة، وجميع الأفعال والمشتقات والمصادر والأسماء"، من فترة ما قبل الإسلام إلى اليوم. يقدم المعجم تاريخ الكلمة في سياقها، مستمدًا من الشعر العربي والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، مرورًا بالعصور الإسلامية المختلفة وصولاً إلى العصر الحديث ولغة الرواية والمسرح والتواصل الاجتماعي. ويؤكد المستغانمي أن المعجم التاريخي ليس مجرد شرح لغوي، بل هو رحلة في التاريخ والفقه والمصطلح والفلسفة والشعر. تم إعداد المعجمان على مدى سنوات طويلة، بإشراف "اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية" ومجامع لغوية أخرى ومؤسسات علمية. توفر بوابتا المعجمين الرقميتين خدمة بحث مجانية لمحتوياتهما، مما يتيح للجمهور والباحثين الوصول إلى هذه الكنوز اللغوية بسهولة.

إن إنجاز هذين المعجمين التاريخيين للغة العربية يمثل علامة فارقة في تاريخ الدراسات اللغوية العربية. فهما ليسا مجرد تجميع للمفردات، بل هما سجل حي لذاكرة أمة، وذاكرة لمفرداتها التي تشكل وجدانها وهويتها. كما أن توفيرهما بشكل رقمي مجاني يفتح الباب واسعًا أمام الأجيال الحالية والمستقبلية للاطلاع على هذا التراث اللغوي الثمين والاستفادة منه في مجالات البحث العلمي والثقافي، وصولاً إلى تعزيز مكانة اللغة العربية لغةً للحياة والعلم والحضارة.