ببالغ الحزن والأسى، تلقى الوسط الثقافي المغربي نبأ وفاة الشاعر والباحث والمترجم عبد المجيد بنجلون، الذي عرف بمسيرته الأكاديمية المتميزة وإسهاماته الشعرية والفكرية. وقد خلف بنجلون، الذي شغل منصب رئيس "القلم الدولي" بالمغرب خلفًا للفقيد عبد الكبير الخطيبي، عالمًا غنيًا بالأعمال والآراء.
نعى بيت الشعر بالمغرب "الشاعر والمترجم والأكاديمي عبد المجيد بنجلون"، مشيدًا بمسيرته الأدبية والشعرية التي تميزت بـ "الشذرية" وقدرتها على الجمع بين "ماء الشعر وعمق الفكر". وقد أصدر بيت الشعر في عام 2018 الأعمال الشعرية الكاملة للفقيد. رحل بنجلون في عامه الحادي والثمانين بعد مسار حافل بالعطاء، شمل البحث الأكاديمي في جامعة محمد الخامس، وكتابة الشعر باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى اهتمامه بالرسم. في حوار سابق، أكد الراحل عبد المجيد بنجلون أن الفلسفة احتلت مكانة محورية في حياته، وكانت حاضرة بقوة في محاضراته الجامعية بكلية الحقوق، ومؤثرة في نتاجه الشعري. وعن لغته الشعرية، أوضح أنه لجأ إلى اللغة الفرنسية للكتابة "خارج إرادته"، لكنه اعتبرها "مصيرًا" قدره الله له. ورغم كتابته بالفرنسية لعقود، إلا أنه ظل يعتبرها لغة أجنبية، رافضًا اتخاذ موقف عدواني منها أو اعتبارها "غنيمة حرب". برر بنجلون هذا الموقف بأسباب عدة، أبرزها أن اللغة الفرنسية دفعته نحو "واحدٍ من أجمل الآداب الموجودة"، كما أن تفاعلات الترجمات منها إلى لغات أخرى أتاحت له الوصول إلى "كل ما هو مكتوب في العالم". ومع ذلك، عبر عن أسفه الشديد لعدم تمكنه طوال حياته من الكتابة باللغة العربية، معتبرًا ذلك "حالة شاذة" تستدعي التأمل في استمرار تدريس بعض المواد بالفرنسية في الجامعات المغربية بعد عقود من الاستقلال. أما بخصوص "الجدل الدائر حول الفرنكوفونية"، فقد أكد الشاعر ابتعاده التام عن المشاركة فيه، معتبرًا إياه "جدلاً عقيمًا". ورفض الاتهامات التي ترى في استخدام اللغة الفرنسية في الكتابة الأدبية "حصان طروادة للفرنكوفونية" و"استعمار فرنسي جديد". وأكد بنجلون معرفته بذاته وبثقافته، نافيًا انتمائه أو دفاعه عن الفرنكوفونية. وأشار إلى أن اللغة الفرنسية أفادته كثيرًا وفتحت له آفاقًا عالمية، لكنه شدد على أنه إذا كانت هناك لغة تستحق الدفاع عنها فهي "لغتي العربية"، وليس الفرنسية رغم كل ما قدمته له.
ترك عبد المجيد بنجلون بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي المغربي، كشاعر متمكن، وباحث غزير الإنتاج، ومفكر ملتزم بقضايا أمته. تظل أعماله شاهدة على عمق رؤيته وثرائه الفكري، ودعوته المستمرة إلى الاعتزاز باللغة العربية والدفاع عنها، مع تقديره لدور اللغات الأخرى في إثراء المعرفة الإنسانية.