في إطار سعيها لاستكشاف تعقيدات الذات الإنسانية في العصر الحديث، نظمت جامعة القاضي عياض بمراكش، عبر شعبة علم النفس ومختبر السوسيولوجيا والتحولات المجتمعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ندوة دولية هامة. حملت هذه الندوة عنوان 'الذات المعاصرة.. المظاهر السيكوباتية والنفسية الاجتماعية الإكلينيكية'، وشهدت مشاركة واسعة لعلماء وباحثين مرموقين في العلوم الاجتماعية من جامعات دولية رائدة في المغرب، إسبانيا، فرنسا، بلجيكا، وتونس. هدفت الندوة إلى تسليط الضوء على الظواهر النفسية والاجتماعية الإكلينيكية والباتولوجية التي تميز الإنسان المعاصر، سواء في تفاعلاته الواقعية أو في العالم الرقمي.
تضمنت الندوة تقديم أوراق علمية تمثل خلاصة سنوات من الدراسة والبحث في مجال الشخصية والذات في زمن الحداثة السائلة، وما يرتبط بذلك من تحولات في المعنى والدلالة، وما ينجم عنه من أمراض نفسية واجتماعية واضطرابات. شكلت هذه الندوة منصة مثالية لتبادل الخبرات والالتقاء بين مختلف التيارات والمدارس العلمية، مع التركيز على التفاعل بين العالم العربي وأوروبا والغرب بشكل عام. وقد عكس تدريس عدد من الأسماء البارزة في الجامعات الغربية، إلى جانب عرض التراكم العلمي في الجامعات المغربية في مجالات علم النفس والعلوم الاجتماعية ذات الصلة، هذا التنوع والتبادل المعرفي. تعد هذه الندوة مناسبة سانحة للتعريف بالتجربة الجامعية المغربية وخصوصياتها الثقافية، والتي تشكل سياقاً مرجعياً لاختلاف التجارب الإنسانية المرتبطة بالذات والغيرية. لقد أضاءت النقاشات جوانب غامضة في بناء الشخصية، مؤكدة على تداخل المناهج والعلوم وتحولاتها في العصر الرقمي، خاصة في ظل أزمات الهوية والاندماج وقضايا الرابط الاجتماعي المعاصرة. وقد جمع هذا الملتقى العلمي الدولي نخبة من الباحثين والمحللين النفسيين وعلماء الاجتماع من المغرب وفرنسا، لمناقشة التحولات المعاصرة للذات الإنسانية في ظل التطورات المتسارعة للذكاء الاصطناعي، والعولمة، والهشاشة النفسية المتزايدة. تناولت الجلسات موضوعات متنوعة شملت الصراعات النفسية الجديدة المرتبطة بالرقمنة، تطور العرض الطبي، تمثلات المرض النفسي، الإرهاق العاطفي والمهني في قطاعات العمل السياحي، أثر الذكاء الاصطناعي على الممارسات العلاجية ومفهوم الذات، قضايا الهذيان، الاندماج والهوية، وتحولات الجسد والذات في العصر الحديث. كما شملت النقاشات قضايا المراهقة، التنمر، الهويات الجندرية، السلوكيات الاستهلاكية، وتداعيات العنف على تشكيل الذات. واصلت الندوة في جلساتها اللاحقة استعراض مقاربات علاجية ونفسية للمرضى المصابين بالسرطان، وتحليلات للتعبير الجسدي عند الأشخاص في معاناة. إضافة إلى ذلك، نوقشت علاقة الذات العربية بالآخر، وإشكالات الهوية، ومستقبل الذكاء الاصطناعي بين الديمقراطية والهيمنة. واختتمت فعاليات الندوة بمداخلات تناولت موضوعات الريفيكاسيون، والهروب الأسري، وأزمة الهوية الاجتماعية والثقافية، وصعود الفردانية، وسوسيولوجيا الخوارزميات، وعمق فهم الحب من منظور ابن عربي. يقدم هذا البرنامج رؤية موسعة للتحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه الإنسان المعاصر، مع التركيز على تأثير التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي على البنية النفسية والروابط الإنسانية. ترأس البروفيسور مصطفى السعليتي من جامعة القاضي عياض هذه الندوة الدولية، وضمت لجنتها العلمية باحثين وعلماء من مختلف البلدان، منهم: سيرج تيسيرون، فريديك توردو، إلزا غودار، عبد الهادي الفقير، عبد الحق محتاج، حسناء غوزلان، عبد الكريم بلحاج، عبد الله بوصوف، مصطفى الشكدالي، عياد أبلال، خالد نجاب، محمد عبد الخالقي، أسية أقصبي، عبد العزيز العليوي، عائشة زياني، يامنة ميري، محمد بوغالي، عبد العزيز بردوني، محمد بوديس، كمال زمراوي، إسماعيل شعوف، عبد الله لفحل، محمد ياسين عبار، عبد الرزاق أبلال، هدى رزقي، سارة بنباه، مجيد صفوان، رجاء بن سلامة، يوسف زكار، عبد القاسم زياني، وأحمد لمطيلي.
تُعد هذه الندوة الدولية التي نظمتها جامعة القاضي عياض بمراكش خطوة هامة نحو فهم أعمق للذات الإنسانية في عالم يشهد تحولات سريعة ومتلاحقة، خاصة في ظل التطورات الرقمية وتأثيرها المتزايد. لقد نجحت الندوة في جمع نخبة من الخبراء من مختلف الخلفيات الثقافية والعلمية، لتبادل المعرفة وتقديم رؤى جديدة حول التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه الأفراد والمجتمعات المعاصرة. إن النتائج والتوصيات المنبثقة عن هذه الندوة ستساهم بلا شك في إثراء البحث العلمي وتقديم حلول مبتكرة للمشكلات المطروحة، مع التأكيد على أهمية التفاعل بين التخصصات المختلفة والتجارب المتنوعة.