في خطوة تُترجم الانتقال من "همس الشكوى" إلى "صوت المسؤولية"، وضعت جمعية "أوكسجين للبيئة والصحة" عريضة رسمية على طاولة مجلس جماعة القنيطرة، مطالبة بتدخل عاجل لإنقاذ المدينة من الاختناق البيئي الذي بات يهدد الساكنة. وتأتي هذه الخطوة الترافعية في سياق بيئي وُصف بـ"المقلق"، حيث تعيش عاصمة الغرب على وقع تدهور ملحوظ في جودة الهواء، يتجلى في انتشار الروائح الكريهة، وتصاعد ما يُعرف بـ"الغبار الأسود".
بنت الجمعية عريضتها، التي حملت عنوان "طلب التدخل للحد من تفشي الروائح الكريهة وتدهور جودة الهواء بمدينة القنيطرة"، على تشخيص دقيق لمكامن الخلل. وحسب الوثيقة المودعة، فإن معاناة القنيطريين تتوزع بين عدة جبهات، منها مطرح "أولاد برجال" الذي يعد المصدر الرئيسي للروائح التي تزكم الأنوف، والحرق العشوائي للنفايات الذي أدى إلى استفحال تلوث الجو، ثم اختناق شبكة التطهير السائل، وكذا الخطر الصناعي المتمثل في انبعاثات المصانع، وعلى رأسها "الغبار الأسود" الذي يطرح أسئلة جدية حول مدى التزام الوحدات الصناعية بالمعايير البيئية والصحية. ولم تكتفِ "أوكسجين" بالتشخيص، بل قدمت في عريضتها حزمة من الحلول والمطالب المستندة إلى المرجعيات الدستورية (الفصول 15، 31، 35، 136) والقانون التنظيمي للجماعات 113.14. وتتصدر هذه المطالب الدعوة إلى الإغلاق النهائي والبيئي لمطرح أولاد برجال، مع ضرورة تأهيل موقعه. وتقترح الجمعية بديلاً عصرياً يقطع مع الطرق التقليدية، يتمثل في إحداث مركز حديث لمعالجة وتثمين النفايات، يكون بعيداً عن التجمعات السكنية، ويعتمد تقنيات الفرز الانتقائي، وإعادة التدوير، والتثمين الطاقي، وفق المعايير الدولية. كما طالبت العريضة بتفعيل المراقبة الصارمة للانبعاثات الصناعية وإصلاح منظومة التطهير السائل. وسبق أن قال أيوب كرير، رئيس جمعية أوكسيجين للبيئة والصحة، ضمن تصريح سابق لهسبريس، إن "الناس بمدينة القنيطرة مازالوا يستنشقون روائح كريهة يوميا، مع ظهور الغبار الأسود من حين إلى آخر". وذكر الفاعل البيئي ذاته أن "تلوث الهواء يبقى متواصلا ما دامت العوامل المتسببة فيه قائمة، من قبيل المصانع ووسائل النقل؛ ولذلك يحتاج المغرب إلى سياسة بيئية متناسقة"، منبّها إلى "ضعف التشجيع على الحلول البيئية السليمة، كالسيارات الكهربائية وتوفير المطارح التي تحترم المعايير الإيكولوجية المتعارف عليها".
تُعد هذه المبادرة من جمعية "أوكسجين" خطوة هامة نحو تفعيل دور المجتمع المدني في قضايا البيئة، وتُسلط الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة المشاكل البيئية التي تؤثر على جودة حياة سكان القنيطرة، وتشكل دعوة صريحة للسلطات المحلية لاتخاذ إجراءات حاسمة وفورية.