تشهد مدينة الدار البيضاء حاليًا أعمال تنقيب أثرية مشتركة مغربية فرنسية تهدف إلى الكشف عن خفايا ماضيها في عصور ما قبل التاريخ. تركز هذه الأبحاث على دراسة لُقى أثرية قيمة، بما في ذلك أدوات حجرية وبقايا حيوانية تم العثور عليها في موقع "منتزه ما قبل التاريخ بسيدي عبد الرحمان".
يقود هذه الأبحاث فريق علمي متميز يضم الدكتور عبد الرحيم محب، الأستاذ الباحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، والباحثة كامي دوجار من المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي. وتأتي هذه الجهود تحت إشراف مباشر من معهد الآثار والتراث بالرباط، التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، وبالتعاون مع بعثة من وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية. تشمل الأعمال الجارية تهيئة المستويات الجيولوجية والأثرية في مقلعين أثريين بالدار البيضاء، وذلك بهدف حمايتهما وتمكين الدراسات الاستراتيغرافية المستمرة. بالإضافة إلى ذلك، يتم العمل على ترميم وتدعيم البقايا الحيوانية الأحفورية، مع التركيز بشكل خاص على دراسة بقايا فصيلة البقريات في مغارة وحيد القرن. يستقبل هذا الموقع الأثري طلاب علم الآثار لتعزيز مهاراتهم في تقنيات التعديل التجريبي للأدوات الحجرية، حيث يتم جمع واختيار مواد صخرية أولية من شواطئ الدار البيضاء لاستخدامها في ورش عمل ميدانية. تجدر الإشارة إلى أن الدار البيضاء شهدت سابقًا الكشف عن "أقدم مرجع للاستيطان البشري بالمغرب" وتقنية "يعود تاريخها إلى مليون سنة"، مما قدم رؤى هامة حول المعارف التقنية للبشر في المراحل المبكرة من الحضارة الأشولية في أفريقيا. تعتبر العاصمة الاقتصادية موقعًا ذا أهمية استثنائية في المشهد الأثري، نظرًا لاحتوائه على بقايا بشرية غيرت المفاهيم حول أقدم آثار ما قبل ظهور الإنسان العاقل، ومكنت من تقدير تاريخ أقدم آثار له إلى ستة ملايين سنة، بعد أن كان يُقدر بمليوني سنة فقط.
تؤكد هذه الاكتشافات الأثرية أهمية الدار البيضاء ككنز دفين لمعلومات لا تقدر بثمن حول تاريخ البشرية المبكر وتطور التقنيات والحضارات في المغرب والقارة الأفريقية. تفتح هذه الأبحاث آفاقًا واسعة لفهم أعمق لماضينا السحيق.